قد لا تكون أعداد الجماهير التي تجلس في المدرجات او تصطف في طوابير طويلة ذات معنى كبير للمتابعين، الا عندما تتقلص وتتحجم وتتوارى، ليبدأ السؤال عن سبب اختفائها.
منذ سنوات طويلة وانا أتابع بدقة اعداد حضور الجماهير في كل المباريات الممكنة، والتي تتوافر فيها هذه المعلومات، والتي تزودها عادة البطولات الكبرى في القارة الاوروبية، لكن بالتأكيد تفتقر اليها بطولاتنا العربية، حتى في المباريات الدولية، والتي تفيدنا الاحصاءات عادة ان اعداد حضور هذه المباراة او تلك يقدر بـ"نحو" او "حوالى"، لتفتقد الى أي رقم صحيح او دقيق، وغالباً ما تكون تلك "النحو" او "الحوالى" بعيدة كل البعد عن الرقم الحقيقي.
نحن من المفترض اننا دخلنا عالماً احترافياً، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، ومن أسس هذا العالم الاحترافي انه سيواكب يداًَ بيد الجانب الرياضي بالجانب الاقتصادي، وتشكل الجماهير لب نجاح الجانبين، وبوجودها او عدمه ستتم قراءة العديد من التحليلات التي يمكن ان تساهم في مضاعفة المداخيل، او تقليص الخسائر.
فعندما بزغ نجم مانشستر يونايتد في مطلع التسعينات ببروز جيل ذهبي، فان سعة "اولد ترافورد" شهدت عمليات توسيع عدة، حتى وقف الرقم عند اكثر من 76 الف متفرج بقليل، بعد استنفاد كل الطاقات اللوجستية الممكنة، باستغلال زوايا الملعب الاربع، وبناء طبقات فوق المدرجات الرئيسية، ومحاولة شراء اراض مجاورة لزيادة مخططات السعة المستقبلية، كي تواكب الاقبال الجماهيري غير المسبوق على حضور مباريات "الشياطين الحمر"، وطبعاً الوصول الى اخذ قرارات للتوسيع واعادة البناء يتم بناء على ارقام دقيقة لمعدلات الحضور لاسابيع وشهور وسنوات سابقة، في حين تغامر اندية أخرى ببناء استادات جديدة بالكامل، على غرار ما فعله ارسنال في استاد "الامارات" وما يفعله توتنهام وما يفكر فيه ليفربول، فأرسنال لم يجد صعوبة في ملء استاد بسعة 60 الفاً بعدما كانت سعة "هايبري" نحو 38 الفاً، مثلما يدرك ليفربول وتوتنهام انهما لن يجدا ايضاً صعوبة في ملء استاديهما الجديدين.